سورة الرعد - تفسير تفسير أبي حيان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


لما خوف تعالى العباد بقوله تعالى: {وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له} أتبعه بما يشتمل على أمور دالة على قدرة الله تعالى، وحكمته تشبه النعم من وجه، والنقم من وجه. وتقدم الكلام في البرق والرعد والصواعق والسحاب في البقرة. قال ابن عباس والحسن: خوفاً من الصواعق، وطمعاً في الغيث. وقال قتادة: خوفاً للمسافرين من أذى المطر، وطمعاً للمقيم في نفعه. وقريب منه ما ذكره الزجاج وهو: خوفاً للبلد الذي يخاف ضرر المطر له، وطمعاً لمن يرجو الانتفاع به. وذكر الماوردي: خوفاً من العقاب، وطمعاً في الثواب. وعن ابن عباس وغيره: أنه كنى بالبرق عن الماء، لما كان المطر يقاربه غالباً وذلك من باب إطلاق الشيء مجازاً على ما يقاربه غالباً. قال الحوفي: خوفاً وطمعاً مصدران في موضع الحال من ضمير الخطاب، وجوزه الزمخشري أي: خائفين وطامعين، قال: ومعنى الخوف والطمع، أن وقوع الصواعق يخوف عند لمع البرق، ويطمع في الغيث. قال أبو الطيب:
فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى *** يرجى الحيا منه وتخشى الصواعق
وقيل: يخاف البرق المطر من له منه ضرر كالمسافر، ومن في جرينته التمر والزبيب، ومن له بيت يكف، ومن البلاد ما لا ينتفع أهله بالمطر كأهل مصر انتهى. وقوله الأول في تفسير الخوف والطمع، هو قول ابن عباس والحسن الذي تقدم، وقوله: كأهل مصر، ليس كما ذكر، بل ينتفعون بالمطر في كثير من أوقات نمو الزرع، وأنه به ينمو ويجود، بل تمر على الزرع أوقات يتضرر وينقص نموه بامتناع المطر. وأجاز الزمخشري أن يكونا منصوبين على الحال من البرق، كأنه في نفسه خوف وطمع، أو على ذا خوف وطمع. وقال أبو البقاء: خوفاً وطمعاً مفعول من أجله. وقال الزمخشري: لا يصح أن يكون مفعولاً لهما، لأنهما ليسا بفعل الفاعل الفعل المعلل إلا على تقدير حذف المضاف أي: إرادة خوف وطمع، أو على معنى إخافة وإطماعاً انتهى. وإنما لم يكونا على ظاهرهما بفعل الفاعل الفعل المعلل لأن الإرادة فعل الله، والخوف والطمع فعل للمخاطبين، فلم يتحد الفاعل في الفعل في المصدر. وهذا الذي ذكره الزمخشري من شرط اتحاد الفاعل فيهما ليس مجمعاً عليه، بل من النحويين من لا يشترط ذلك، وهو مذهب ابن خروف. والسحاب اسم جنس يذكر ويؤنث، ويفرد ويجمع، قال: «والنخل باسقات» ولذلك جمع في قوله: الثقال، ويعني بالماء، وهو جمع ثقيلة. قال مجاهد وقتادة: معناه تحمل الماء، والعرب تصفها بذلك. قال قيس بن أخطم:
فما روضة من رياض القطا *** كأن المصابيح جودانها
بأحسن منها ولا مزنة *** ولوح يكشف أوجانها
والدلوج المثقلة، والظاهر إسناد التسبيح إلى الرعد.
فإن كان مما يصح منه التسبيح فهو إسناد حقيقي، وإن كان مما لا يصح منه فهو إسناد مجازي. وتنكيره في قوله: {فيه ظلمات ورعد وبرق} ينفي أن يكون علماً لملك. وقال ابن الأنباري: الإخبار بالصوت عن التسبيح مجاز كما يقول القائل: قد غمني كلامك. وقال الزمخشري: ويسبح سامعو الرعد من العباد الراجين للمطر حامدين له، أي: يضجون بسبحان الله والحمد لله. وفي الحديث: «سبحان من يسبح الرعد بحمده» وعن علي: «سبحان من سبحت له إذا اشتد الرعد» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك» ومن بدع المتصوفة: الرعد صعقات الملائكة، والبرق زفرات أفئدتهم، والمطر بكاؤهم انتهى. وقال ابن عطية: وقيل في الرعد أنه ريح يختنق بين السحاب، روى ذلك عن ابن عباس. وهذا عندي لا يصح لأنّ هذا نزغات الطبيعيين وغيرهم من الملاحدة. وقال أبو عبد الله الرازي: إعلم أن المحققين من الحكماء يذكرون أن هذه الآثار العلوية إنما تتم بقوى روحانية فلكية، وللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره، وكذا القول في الرياح، وفي سائر الآثار العلوية. وهذا عين ما قلناه أن الرعد اسم لملك من الملائكة يسبح الله تعالى، فهذا الذي قاله المفسرون بهذه العبارة هو عين ما ذكره المحققون من الحكماء، فكيف بالعاقل الإنكار؟ انتهى. وهذا الرجل غرضه جريان ما تنتحله الفلاسفة على مناهج الشريعة، وذلك لا يكون أبداً، وقد تقدمت أقوال المفسرين في الرعد في البقرة، فلم يجمعوا على أنّ الرعد اسم لملك. وعلى تقدير أن يكون اسماً لملك، لا يلزم أن يكون ذلك الملك يدبر لا السحاب ولا غيره، إذ لا يستفاد مثل هذا إلا من النبي صلى الله عليه وسلم المشهود له بالعصمة، لا من الفلاسفة الضلال. والظاهر عود الضمير في قوله: من خيفته، على الله تعالى كما عاد عليه في قوله: بحمده. ومعنى خيفته: من هيبته وإجلاله. وقيل: يعود على الرعد. والملائكة أعوانه جعل الله له ذلك فهم خائفون خاضعون طائعون له. والرعد وإن كان مندرجاً تحت لفظ الملائكة، فهو تعميم بعد تخصيص انتهى. وهو قول ضعيف. ومن مفعول فيصيب، وهو من باب الإعمال، أعمل فيه الثاني إذ يرسل يطلب من وفيصيب يطلبه، ولو أعمل الأول لكان التركيب: ويرسل الصواعق فيصيب بها على من يشاء، لكن جاء على الكثير في لسان العرب المختار عند البصريين وهو إعمال الثاني. ومفعول يشاء محذوف تقديره: من يشاء إصابته. وفي الخبر أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم بعث إلى جبار من العرب ليسلم فقال: أخبرني عن إله محمد؟ أمن لؤلؤ هو أم من ذهب؟ فنزلت عليه صاعقة ونزلت الآية فيه. وقال مجاهد: ناظر يهودي الرسول صلى الله عليه وسلم، فبينا هو كذلك نزلت صاعقة فأخذت قحف رأسه، فنزلت الآية فيه.
وقال ابن جريج: سبب نزولها لها قصة أربد بن ربيعة وعامر بن الطفيل، وذكر قصتهما المشهورة مضمونها أن عامراً توعد الرسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يجبه إلى ما طلب، وأنه وأربد راما الفتك به، فعصمه الله تعالى، وأصاب عامراً بغدّة فمات غريباً، وأربد بصاعقة فقتلته، ولأخيه لبيد فيه عدة مراثٍ منها قوله:
أخشى على أربد الحتوف ولا *** أرهب نوء السماك والأسد
فجعني البرق والصواعق بالفا *** رس يوم الكريهة النجد
وهذه الصلات الأربع التي وصلت بها الذي تدل على القدرة الباهرة، والتصرف التام في العالم العلوي والسفلي، فالمتصف بها ينبغي أن لا يجادل فيه، وأن يعتقد ما هو عليه من الصفات العلوية، والضمير في وهم يجادلون، عائد على الكفار المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم، المنكرين الآيات، يجادلون في قدرة الله على البعث وإعادة الخلق بقولهم: {من يحيي العظام وهي رميم} وفي وحدانيته باتخاذ الشركاء والانداد. ونسبة التوالد إليه بقولهم: الملائكة بنات الله تعالى والمعنى: أنه عز وجل متصف بهذه الأوصاف، ومع ذلك رتبوا عليها غير مقتضاها من المجادلة فيه وفي أوصافه تعالى، وكان مقتضاها التسليم لما جاءت به الأنبياء. وقيل: وهم يجادلون حال من مفعول يشاء أي: فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم كما جرى لليهودي. وكذلك الجبار، ولا ربد. وهو شديد المحال، جملة حالية من الجلالة. وقرأ الجمهور: المحال بكسر الميم. فعن ابن عباس: المحال العداوة، وعنه الحقد. وعن عليّ: الأخذ، وعن مجاهد: القوة. وعن قطرب: الغضب. وعن الحسن: الهلاك بالمحل، وهو القحط. وقرأ الضحاك والأعرج: المحال بفتح الميم. فعن ابن عباس: الحول. وعن عبيدة: الحيلة. يقال: المحال والمحالة وهي الحيلة، ومنه قول العرب في مثل: المرء يعجز لا المحالة. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون المعنى شديد العقاب، ويكون مثلاً في القوة والقدرة، كما جاء: فساعد الله أشد، وموساه أحدّ، لأنّ الحيوان إذا اشتد غاية كان منعوتاً بشدّة القوة والاضطلاع بما يعجز عنه غيره. ألا ترى إلى قولهم: فقرته الفواقر، وذلك أنّ الفقار عمود الظهر وقوامه. والضمير في له عائد على الله تعالى، ودعوة الحق قال ابن عباس: دعوة الحق لا إله إلا الله، وما كان من الشريعة في معناها. وقال علي بن أبي طالب، دعوة الحق التوحيد. وقال الحسن: إن الله هو الحق، فدعاؤه دعوة الحق. وقيل: دعوة الحق دعاؤه عند الخوف، فإنه لا يدعي فيه إلا هو، كما قال: {ضل من تدعون إلا إياه} قال الماوردي: وهو أشبه بسياق الآية. وقيل: دعوة الطلب الحق أي: مرجو الإجابة، ودعاء غير الله لا يجاب، وقال الزمخشري: فيه وجهان.
أحدهما: أن تضاف الدعوة إلى الحق الذي هو نقيض الباطل، كما تضاف الكلمة إليه في قوله: «كلمة الحق» للدلالة على أنّ الدعوة ملابسة للحق مختصة به، وأنها بمعزل من الباطل، والمعنى: أن الله سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة، ويعطى الداعي سؤله إن كانت مصلحة له، فكانت دعوته ملابسة للحق لكونه حقيقاً بأن يوجه إليه الدعاء، لما في دعوته من الجدوى والنفع، بخلاف ما لا ينفع ولا يجدي دعاؤه. والثاني: أن تضاف إلى الحق الذي هو الله عز وجل على معنى دعوة المدعو الحق الذي يسمع فيجيب. وعن الحسن رحمه الله: الحق هو الله تعالى، وكل دعاء إليه دعوة الحق انتهى. وهذا الوجه الثاني الذي ذكره الزمخشري لا يظهر، لأنّ مآله إلى تقدير: لله دعوة لله، كما تقول: لزيد دعوة زيد، وهذا التركيب لا يصح. والذي يظهر أن هذه الإضافة من باب إضافة الموصوف إلى الصفة كقوله: ولدار الآخرة على أحد الوجهين، والتقدير: لله الدعوة الحق بخلاف غيره فإنّ دعوتهم باطلة، والمعنى: أن الله تعالى الدعوة له هي الدعوة الحق. ولما ذكر تعالى جدال الكفار في الله تعالى، وكان جدالهم في إثبات آلهة معه، ذكر تعالى أنه له الدعوة الحق أي: من يدعو له فدعوته هي الحق، بخلاف أصنامهم التي جادلوا في الله لأجلها، فإن دعاءها باطل لا يتحصل منه شيء. فقال: {والذين يدعون} قال الزمخشري: والآلهة الذين يدعونهم الكفار من دون الله لا يستجيبون لهم بشيء من طلباتهم إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه أي: كاستجابة الماء من بسط كفيه إليه، يطلب منه أن يبلغ فاه، والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه، ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه. وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم، ولا يستطيع إجابتهم، ولا يقدر على نفعهم. وقيل: شبهوا في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه، فبسطهما ناشراً أصابعه فلم تبق كفاه منه شيئاً، ولم يبلغ طلبته من شربه انتهى. فالضمير في يدعون عائد على الكفار، والعائد على الذين محذوف أي: يدعونهم. ويؤيده قراءة من قرأ بالتاء في تدعون، وهي قراءة اليزيدي عن أبي عمر. وقيل: الذين أي: الكفار الذين يدعون، ومفعول يدعون محذوف أي: يدعون الأصنام. والعائد على الذين الواو في يدعون، والواو في لا يستجيبون عائد في هذا القول على مفعول يدعون المحذوف، وعلى القول الأول على الذين. قال ابن عباس: كالناظر إلى خياله في الماء يريد تناوله، فكذا المحتاج يخيل إليه في الاحتياج إليه خيال الاحتياج إليه. وقال الضحاك: كمن بسط يديه إلى الماء ليصل إليه بلا اغتراف. وقال أبو عبيدة: أي كالقابض على الماء ليس على شيء، قال: والعرب تضرب المثل في الساعي فيما لا يدركه بالقابض على الماء، وأنشد سيبويه:
فأصبحت فيما كان بيني وبينها *** من الود مثل القابض الماء في اليد
وقال آخر:
وإني وإياكم وشوقاً إليكم *** كقابض ماء لم تسعه أنامله
وقيل: شبه الكفار في دعائهم لأصنامهم عند ضرورتهم برجل عطشان لا يقدر على الماء، جلس على شفير بئر يدعو الماء ليبل غلته، فلا هو يبلغ قعر البئر إلى الماء، ولا الماء يرتفع إليه لأنه جماد ولا يحس بعطشه ودعائه، كذلك ما يدعو الكفار من الأوثان جماد لا يحس بدعائهم، ولا يستطيع إجابتهم، ولا يقدر على نفعهم انتهى. والكاف في موضع نصب أي: مثل استجابة، واستجابة مضافة في التقدير إلى باسط، وهي إضافة المصدر إلى المفعول. وفاعل المصدر محذوف تقديره: كإجابة الماء من يبسط كفيه إليه، فلما حذف أظهر في قوله: إلى الماء، ولو كان ملفوظاً به لعاد الضمير إليه، فكان يكون التركيب كفيه إليه. هذا الذي يقدر من كلام الزمخشري في هذا التشبيه، وتبعه أبو البقاء. وقال ابن عطية: ومعنى الكلام الذي يدعونهم الكفار إلى حوائجهم ومنافعهم لا يجيبون، ثم مثل تعالى مثالاً لإجابتهم بالذي يبسط كفيه إلى الماء ويشير إليه بالإقبال، فهو لا يبلغ فمه أبداً، فكذلك إجابة هؤلاء والانتفاع بهم لا يقع انتهى. وفاعل ليبلغ ضمير الماء، وليبلغ متعلق بباسط، وما هو أي: وما الماء ببالغه، أي: ببالغ الفم. ويجوز أن يكون هو ضمير الفم، والهاء في ببالغه للماء أي: وما الفم ببالغ الماء، لأنّ كلاًّ منهما لا يبلغ الآخر على هذه الحالة. وقرئ: كباسط كفيه بتنوين باسط. وما دعاء الكافرين إلا في ضلال أي: في حيرة، أو في اضمحلال، لأنه لا يجدي شيئاً ولا يفيد، فقد ضل ذلك الدعاء عنهم كما ضل المدعون. قال تعالى: {أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا} قال الزمخشري: إلا في ضياع لا منفعة فيه، لأنهم إن دعوا الله لم يجبهم، وإن دعوا الآلهة لم نستطع إجابتهم. وقال ابن عباس: أصوات الكافرين محجوبة عن الله فلا يسمع دعاؤهم.


إن كان السجود بمعنى الخضوع والانقياد، فمن عمومها ينقاد كلهم إلى ما أراده تعالى بهم شاؤوا أو أبوا، وتنقاد له تعالى ظلالهم حيث هي على مشيئته من الامتداد والتقلص، والفيء والزوال، وإن كان السجود عبارة عن الهيئة المخصوصة: وهو وضع الجبهة بالمكان الذي يكون فيه الواضع، فيكون عاماً مخصوصاً إذ يخرج منه من لا يسجد، ويكون قد عبر بالطوع عن سجود الملائكة والمؤمنين، وبالكره عن سجود من ضمه السيف إلى الإسلام كما قاله قتادة: فيسجد كرهاً وإما نفاقاً، أو يكون الكره أول حاله، فتستمر عليه الصفة وإن صح إيمانه بعد. وقيل: طوعاً لا يثقل عليه السجود، وكرهاً يثقل عليه، لأنّ إلزام التكاليف مشقة. وقيل: من طالت مدة إسلامه، فألف السجود. وكرهاً من بدا بالإسلام إلى أن يألف السجود قاله ابن الأنباري. وقيل: هو عام على تقدير كون السجود عبارة عن الهيئة المخصوصة، وذلك بأن يكون يسجد صيغته صيغة الخبر، ومدلوله أثر. أو يكون معناه: يجب أن يسجد له كل من في السموات والأرض، فعبر عن الوجوب بالوقوع. والذي يظهر أنّ مساق هذه الآية إنما هو أنّ العالم كله مقهور لله تعالى، خاضع لما أراد منه، مقصور على مشيئته، لا يكون منه إلا ما قدر تعالى. فالذين تعبدونهم كائناً ما كانوا داخلون تحت القهر، ويدل على هذا المعنى تشريك الظلال في السجود. والظلال ليست أشخاصاً يتصور منها السجود بالهيئة المخصوصة، ولكنها داخلة تحت مشيئته تعالى يصرفها على ما أراد، إذ هي من العالم. فالعالم جواهره وأعراضه داخلة تحت إرادته كما قال تعالى: {أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله} وكون الظلال يراد بها الأشخاص كما قال بعضهم ضعيف، وأضعف منه قول ابن الأنباري: إنه تعالى جعل للظلال عقولاً تسجد بها وتخشع بها، كما جعل للجبال أفهاماً حتى خاطبت وخوطبت، لأنّ الجبل يمكن أن يكون له عقل بشرط تقدير الحياة، وأما الظل فعرض لا يتصور قيام الحياة به، وإنما معنى سجود الظلال ميلها من جانب إلى جانب كما أراد تعالى. وقال الفراء: الظل مصدر يعني في الأصل، ثم أطلق على الخيال الذي يظهر للجرم، وطوله بسبب انحطاط الشمس، وقصره بسبب ارتفاعها، فهو منقاد لله تعالى في طوله وقصره وميله من جانب إلى جانب. وخص هذان الوقتان بالذكر لأنّ الظلال إنما تعظم وتكثر فيهما، وتقدم شرح الغدوّ والآصال في آخر الأعراف. روي أن الكافر إذا سجد لصنمه كان ظله يسجد لله حينئذ.
وقرأ أبو مجلز: والإيصال. قال ابن جني: هو مصدر أصل أي: دخل في الأصيل كما تقول: أصبح أي دخل في الاصباح.
ولما كان السؤال عن أمر واضح لا يمكن أن يدفع منه أحد، كان جوابه من السائل. فكان السبق إليه أفصح في الاحتجاج إليهم وأسرع في قطعهم في انتظار الجواب منهم، إذ لا جواب إلا هذا الذي وقعت المبادرة إليه، كما قال تعالى: {قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله} ويبعد ما قال مكي من أنهم جهلوا الجواب فطلبوه من جهة السائل فأعلمهم به السائل، لأنه قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله} فإذا كانوا مقرين بأنّ منشئ السموات والأرض ومخترعها هو الله، فكيف يقال: بأنهم جهلوا الجواب فطلبوه من السائل؟ وقال الزمخشري: قل الله حكاية لاعتراقهم تأكيد له عليهم، لأنه إذا قال لهم: من رب السموات والأرض؟ لم يكن لهم بد من أن يقولوا: الله، كقوله {قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله} وهذا كما يقول المناظر لصاحبه: أهذا قولك؟ فإذا قال: هذا قولي، قال: هذا قولك، فيحكي إقراره تقريراً عليه واستئنافاً منه، ثم يقول له: فيلزمك على هذا القول كيت وكيت. ويجوز أن يكون تلقيناً أي: إنْ كفوا عن الجواب فلقنهم، فإنهم يتلقنونه ولا يقدرون أن ينكروه. وقال الكرماني: قل يا محمد للكفار من رب السموات والأرض؟ استفهام تقرير واستنطاق بأنهم يقولون الله، فإذا قالوها قل: الله، أي هو كما قلتم. وقيل: فإن جابوك وإلا قل: الله، إذ لا جواب غير هذا انتهى. وهو تلخيص القولين اللذين قالهما الزمخشري. وقال البغوي: روي أنه لما قال هذا للمشركين عطفوا عليه فقالوا: أجب أنت، فأمره الله فقال: قل الله انتهى. واستفهم بقوله: قل أفاتخذتم؟ على سبيل التوبيخ والإنكار، أي: بعد أن علمتم أنه تعالى هو رب السموات والأرض تتخذون من دونه أولياء وتتركونه، فجعلتم ما كان يجب أن يكون سبباً للتوحيد من علمكم وإقراركم سبباً للإشراك، ثم وصف تلك الأولياء بصفة العجز وهي كونها لا تملك لانفسها نفعاً ولا ضراً، ومن بهذه المثابة فكيف يملك لهم نفعاً أو ضراً؟ ثم مثل ذلك حالة الكافر والمؤمن، ثم حالة الكفر والإيمان، وأبرز ذلك في صورة الاستفهام للذي يبادر المخاطب إلى الجواب فيه من غير فكر ولا روية بقوله: قل هل يستوي الأعمى والبصير؟ ثم انتقل إلى الاستفهام عن الوصفين القائمين بالكافر وهو: الظلمات، وبالمؤمن وهو النور. وتقدم الكلام في جمع الظلمات وإفراد النور في سورة البقرة.
وقرأ الأخوان وأبو بكر: أم هل يستوي بالياء، والجمهور بالتاء، أم في قوله: أم، هل منقطعة تتقدر ببل؟ والهمزة على المختار، والتقدير: بل أهل تستوي؟ وهل وإن نابت عن همزة الاستفهام في كثير من المواضع فقد جامعتها في قول الشاعر:
أهل رأونا بوادي القفر ذي الاكم ***
وإذا جامعتها مع التصريح بها فلأنّ تجامعها مع أم المتضمنة لها أولى، وهل بعد أم المنقطعة يجوز أن يؤتى بها لشبهها بالأدوات الإسمية التي للاستفهام في عدم الأصالة فيه كقوله: {أمّن يملك السمع والأبصار} ويجوز أن لا يؤتى بها بعد أم المنقطعة، لأن أم تتضمنها، فلم يكونوا ليجمعوا بين أم والهمزة لذلك. وقال الشاعر في عدم الإتيان بهل بعد أم والإتيان بها:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم *** أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
أم هل كبير بكى لم يقض عبرته *** إثر الأحبة يوم البين مشكوم
ثم انتقل من خطابهم إلى الإخبار عنهم غائباً إعراضاً عنهم، وتنبيهاً على توبيخهم في جعل شركاء لله، وتعجيباً منهم، وإنكاراً عليهم. وتضمن هذا الاستفهام التهكم بهم، لأنّهُ معلوم بالضرورة أن هذه الأصنام وما اتخذوها من دون الله أولياء، وجعلوهم شركاء لا تقدر على خلق ذرة، ولا إيجاد شيء البتة، والمعنى: أن هؤلاء الشركاء هم خالقون شيئاً حت يستحقوا العبادة، وجعلهم شركاء لله أي: جعلوا لله شركاء موصوفين بالخلق مثل خلق الله، فتشابه ذلك عليهم، فيعبدونهم. ومعلوم أنهم لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون فكيف يشركون في العبادة؟ {أفمن يخلق كمن لا يخلق} ثم أمره تعالى فقال: قل الله خالق كل شيء أي: موجد الأشياء كلها معبوداتهم وغيرها، وهم أيضاً مقرون بذلك، {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله} واحتمل أن يكون قوله: وهو الواحد القهار، داخلاً تحت الأمر بقل، فيكون قد أمر أن يخبر بأنه تعالى هو الواحد المنفرد بالألوهية، القهار الذي جميع الأشياء تحت قدرته وقهره. واحتمل أن يكون استئناف إخبار فيه يقال بهذين الوصفين: الوحدانية، والقهر. فهو تعالى لا يغالب، وما سواه مقهور مربوب له عز وجل.


قال الزمخشري: هذا مثل ضربه الله للحق وأهله، والباطل وحزبه، كما ضرب الأعمى والبصير، والظلمات والنور، مثلاً لهما. فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به أودية للناس فيحيون به وينفعهم أنواع المنافع، وبالفلز الذي ينتفعون به في صوغ الحلى منه واتخاذ الأواني والآلات المختلفة، ولو لم يكن إلا الحديد الذي فيه البأس الشديد لكفى فيه، وإن ذلك ماكث في الأرض باق بقاء ظاهراً يثبت الماء في منافعه، وتبقى آثاره في العيون والبئار والجبوب والثمار التي تنبت به مما يدخر ويكثر، وكذلك الجواهر تبقى أزمنة متطاولة. وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله وانسلاخه عن المنفعة بزبد السيل الذي يرمي به، وبزبد الفلز الذي يطفو فوقه إذا أذيب. وقال ابن عطية: صدر هذه الآية تنبيه على قدرة الله تعالى، وإقامة الحجة على الكفرة به، فلما فرغ ذكر ذلك جعله مثالاً للحق والباطل، والإيمان والكفر، والشك في الشرع واليقين به انتهى. وقيل: هذا مثل ضربه الله تعالى للقرآن، والقلوب، والحق، والباطل. فالماء مثل القرآن لما فيه من حياة القلوب، وبقاء الشرع والدين والأودية مثل للقلوب، ومعنى بقدرها على سعة القلوب وضيقها، فمنها ما انتقع به فحفظه ووعاه وتدبر فيه، فظهرت ثمرته وأدرك تأويله ومعناه، ومنها دون ذلك بطبقة، ومنها دونه بطبقات. والزبد مثل الشكوك والشبه وإنكار الكافرين إنه كلام الله، ودفعهم إياه بالباطل. والماء الصافي المنتفع به مثل الحق انتهى. وفي الحديث الصحيح ما يؤيد هذا التأويل وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثت به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً وكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها طائفة أجادب فأمسكت الماء فانتفع الناس به وسقوا ورعوا وكانت منها قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل ما جئت به من العلم والهدى ومثل من لم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» وقال ابن عطية: وروي عن ابن عباس أنه قال: قوله تعالى أنزل من السماء ماء، يريد به الشرع والدين، فسالت أودية يريد القلوب، أي: أخذ النبيل بحظه، والبليد بحظه، وهذا قول لا يصح والله أعلم عن ابن عباس، لأنه ينحو إلى أقوال أصحاب الرموز، وقد تمسك به الغزالي وأهل تلك الطريق، ولا توجيه لإخراج اللفظ عن مفهوم كلام العرب بغير علة تدعو إلى ذلك، والله الموفق للصواب. وإن صح هذا القول عن ابن عباس، فإنما قصد أن قوله تعالى: {كذلك يضرب الله الحق والباطل}، معناه: الحق الذي يتقرر في القلوب، والباطل الذي يعتريها أيضاً انتهى. والماء المطر.
ونكر أودية لأنّ المطر إنما يدل على طريق المناوبة، فتسيل بعض الأودية دون بعض. ومعنى بقدرها أي: على قدر صغرها وكبرها، أو بما قدر لها من الماء بسبب نفع الممطور عليهم لا ضررهم. ألا ترى إلى قوله: وأما ما ينفع الناس، فالمطر مثل للحق، فهو نافع خال من الضرر.
وقرأ الجمهور: بقدرها بفتح الدال. وقرأ الأشهب العقيلي، وزيد بن علي، وأبو عمرو في رواية: بسكونها. وقال الحوفي: بقدرها متعلق بسالت. وقال أبو البقاء: بقدرها صفة لأودية، وعرف السيل لأنه عنى به ما فهم من الفعل، والذي يتضمنه الفعل من المصدر هو نكرة، فإذا عاد عليه الظاهر كان معرفة، كما كان لو صرح به نكرة، ولذلك تضمن إذا عاد ما دل عليه الفعل من المصدر نحو: من كذب كان شراً له أي: كان الكذب شراً له، ولو جاء هنا مضمراً لكان جائزاً عائداً على المصدر المفهوم من فسالت. واحتمل بمعنى حمل، جاء فيه افتعل بمعنى المجرد كاقتدر وقدر. ورابياً منتفخاً عالياً على وجه السيل، ومنه الربوة. ومما توقدون عليه أي: ومن الأشياء التي توقدون عليها وهي الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص، والقصدير، ونحوها مما يوقد عليه وله زبد. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص، وابن محيصن، ومجاهد، وطلحة، ويحيى، وأهل الكوفة: يوقدون بالياء على الغيبة، أي يوقد الناس. وقرأ باقي السبعة والحسن، وأبو جعفر، والأعرج، وشيبة: بالتاء على الخطاب وعليه متعلق بتوقدون وفي النار. قال أبو علي، والحوفي: متعلق بتوقدون. وقال أبو علي: قد يوقد على كل شيء وليس في النار كقوله: {فأوقد لي يا هامان على الطين} فذلك البناء الذي أمر به يوقد عليه، وليس في النار، لكن يصيبه لهبها. وقال مكي وغيره: في النار متعلق بمحذوف تقديره: كائناً، أو ثابتاً. ومنعوا تعليقه بقوله: توقدون، لأنهم زعموا أنه لا يوقد على شيء إلا وهو في النار، وتعليق حرف الجر بتوقدون يتضمن تخصيص حال من حال أخرى انتهى. ولو قلنا: إنه لا يوقد على شيء إلا وهو في النار، لجاز أن يكون متعلقاً بتوقدون، ويجوز ذلك على سبيل التوكيد كما قالوا في قوله: يطير بجناحيه، وانتصب ابتغاء على أنه مفعول من أجله، وشروط المفعول من أجله موجودة فيه. وقال الحوفي: هو مصدر في موضع الحال أي: مبتغين حلية، وفي ذكر متعلق ابتغاء تنبيه على منفعة ما يوقدون عليه. والحلية ما يعمل للنساء مما يتزين به من الذهب والفضة، والمتاع ما يتخذ من الحديد والنحاس وما أشبههما من الآلات التي هي قوام العيش كالأواني، والمساحي، وآلات الحرب، وقطاعات الأشجار، والسكك، وغير ذلك. وزبد مرفوع بالابتداء، وخبره في قوله: ومما توقدون. ومِن الظاهر أنها للتبعيض، لأن ذلك الزبد هو بعض ما يوقد عليه من تلك المعادن.
وأجاز الزمخشري أن تكون مِن لابتداء الغاية أي: ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء، والمماثلة في كونهما يتولدان من الأوساخ والأكدار، والحق والباطل على حذف مضاف أي: مثل الحق والباطل. شبه الحق بما يخلص من جرم هذه المعادن من الأقذار والخبث ودوام الانتفاع بها، وشبه الباطل بالزبد والمجتمع من الخبث والأقذار، ولا بقاء له ولا قيمة. وفصل ما سبق ذكره مما ينتفع به ومن الزبد، فبدأ بالزبد إذ هو المتأخر في قوله: زبداً رابياً، وفي قوله: زبد مثله، ولكون الباطل كناية عنه وصف متأخر، وهي طريقة فصيحة يبدأ في التقسيم بما ذكر آخراً كقوله: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم} والبداءة بالسابق فصيحة مثل قوله: {فمنهم شقي وسعيد} {فأما الذين شقوا ففي النار} وكأنه والله أعلم يبدأ في التفصيل بما هو أهم في الذكر. وانتصب جفاء على الحال أي: مضمحلاً متلاشياً لا منفعة فيه ولا بقاء له. والزبد يراد به ما سبق من ما احتمله السيل وما خرج من حيث المعادن، وأفرد الزبد بالذكر ولم يثن، وإن تقدم زبدان لاشتراكهما في مطلق الزبدية، فهما واحد باعتبار القدر المشترك. وقرأ رؤبة: جفالاً باللام بدل الهمزة من قولهم: جفلت الريح السحاب إذا حملته وفرقته. وعن أبي حاتم: لا يقرأ بقراءة رؤبة، لأنه كان يأكل الفار بمعنى: أنه كان أعرابياً جافياً. وعن أبي حاتم أيضاً: لا تعتبر قراءة الأعراب في القرآن. وأما ما ينفع الناس أي: من الماء الخالص من الغناء ومن الجوهر المعدني الخالص من الخبث أي: مثل ذلك الضرب كمثل الحق والباطل. يضرب الله الأمثال، والظاهر أنه لما ضرب هذا المثل للحق والباطل انتقل إلى ما لأهل الحق من الثواب، وأهل الباطل من العقاب، فقال: للذين استجابوا لربهم الحسنى، أي: الذين دعاهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فأجابوا إلى ما دعاهم إليه من اتباع دينه الحالة الحسنى، وذلك هو النصر في الدنيا وما اختصوا به من نعمة الله، ودخول الجنة في الآخرة. فالحسنى مبتدأ، وخبره في قوله: للذين. والذين لم يستجيبوا مبتدأ، خبره ما بعده. وغاير بين جملتي الابتداء لما يدل عليه تقديم الجار والمجرور في الاعتناء والاهتمام، وعلى رأي الزمخشري من الاختصاص أي: لهؤلاء الحسنى لا لغيرهم. ولأن قراءة شيوخنا يقفون على قوله الأمثال، ويبتدئون للذين. وعلى هذا المفهوم أعرب الحوفي الحسني مبتدأ، وللذين خبره، وفسر ابن عطية وفهم السلف. قال ابن عباس: جزاء الحسنى وهي لا إله إلا الله. وقال مجاهد: الحياة الحسنى ما في الطيبة. وقيل: الجنة لأنها في نهاية الحسنى. وقيل: المكافأة أضعافاً. وعلق الزمخشري للذين بقوله يضرب فقال: للذين استجابوا متعلقة بيضرب أي: كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين الذين استجابوا، وللكافرين الذين لم يستجيبوا أي: هما مثلاً الفريقين.
والحسنى صفة لمصدر استجابوا أي: استجابوا الاستجابة الحسنى. وقولهم: لو أن لهم كلام مبتدأ، ذكر ما أعد لغير المستجيبين انتهى. والتفسير الأول أولى، لأنه فيه ضرب الأمثال غير مقيد بمثل هذين، والله تعالى قد ضرب أمثالاً كثيرة في هذين وفي غيرهما، ولأنه فيه ذكر ثواب المستجيبين بخلاف قول الزمخشري، فكما ذكر ما لغير المستجيبين من العقاب، ذكر ما للمستجيبين من الثواب. ولأنّ تقديره الاستجابة الحسنى مشعر بتقييد الاستجابة، ومقابلتها ليس نفي الاستجابة مطلقاً، إنما مقابلها نفي الاستجابة الحسنى، والله تعالى قد نفى الاستجابة مطلقاً. ولأنه على قوله يكون قوله: لو أن لهم ما في الأرض جميعاً، كلاماً مفلتاً مما قبله، أو كالمفلت، إذ يصير المعنى: كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين والكافرين. لو أن لهم ما في الأرض، فلو كان التركيب بحرف رابط لو بما قبلها زال التفلت، وأيضاً فيوهم الاشتراك في الضمير، وإن كان تخصيص ذلك بالكافرين معلوماً لهم. وأيضاً فقد جاء هذا التركيب، وتقدم تفسير مثل قوله: لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به، وسوء الحساب قال ابن عباس: أن لا تقبل حسناتهم ولا تغفر سيئاتهم. وقال النخعي: وشهد وفرقران يحاسب على ذنوبه كلها، ويحاسب ويؤاخذ بها من غير أن يغفر له شيء. وقال أبو الجوزاء: المناقشة. وقيل: للتوبيخ عند الحساب والتقريع، وتقدم تفسير مثل {ومأواهم جهنم وبئس المهاد}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7